بات ماثيو فالبوينا ركيزةً أساسية في صفوف منتخب فرنسا. فهذا اللاعب قصير القامة الذي ألهب حماس الجمهور عندما سجل هدف منتخب بلاده الوحيد في مرمى البرتغال من ركلة حرة مباشرة رافعاً رصيده إلى 50 هدفاً، هو كتلة نشاط دائمة في الملعب ويحاول من دون كلل إيجاد الثغرات في دفاعات الفرق المنافسة ويتميز بالحيوية والنشاط، فاستحق الإحترام الذي يحظى به من الجميع على حد سواء.
لكن وكما يصف ذلك بنفسه في مقابلة حصرية مع موقع FIFA.com، فقد خاض لاعب الوسط البالغ من العمر 30 عاماً الكثير من المعارك للوصول إلى هنا. اعتبر كثيرون بأنه قصير القامة جداً لذا تم استبعاده من مركز التكوين وهو في الثامنة عشرة من عمره، لكنه تمسك بحلمه وبشغفه ليقنع المدربين الذين توالوا على تدريبه وزملائه والمشجعين بأنه “بفضل المجهود والتصميم الكبيرين” استطاع جعل قصر قامته التي تبلغ 1.67 متراً ومسيرته المقاومة ورقتين رابحتين ليرتقي إلى أعلى المستويات.
موقع FIFA.com: نعرف جيداً بأن شغفك الكروي رافقك منذ نعومة أظافرك عندما كنت تذهب إلى برشلونة برفقة والدك. هل يمكن أن تحدثنا عن تلك الفترة؟
ماثيو فالبوينا: صحيح بأني كنت أمضي معظم إجازاتي في أسبانيا البلد الأصلي لوالدي، وفي كل مرة، لم أحرم نفسي من الذهاب إلى ملعب كامب نو. هذا الملعب الذي كان يتسع لـ115 ألف متفرج في تلك الفترة، أدهشني كثيراً. كنت أذهب دائماً إلى المتحف لرؤية حذاء رونالد كومان الذي سجل فيه هدف الفوز في نهائي دوري أبطال أوروبا عام 1992، والكرة الذهبية لستويتشكوف. بالنسبة لي، كان الأمر مدهشاً ولم أكن أشبع من الذهاب إلى هناك لكي أعرب عن إعجابي بذلك. سنحت لي الفرصة مرة واحدة لمتابعة مباراة لكن كنت دائماً أشارك في تقديم اللاعبين ثم رؤية الحصة التدريبية التي تليها حيث كان يتواجد حوالي 40 ألف متفرج في كل مرة. كنت أشعر بالحماس، لكن هذا الأمر أعطاني المزيد من القوة ورغبة الفوز لكي أصبح لاعباً محترفاً. كنت أضع دائماً في غرفتي على الطاولة بجانبي قبل أن أنام، البطاقة البريدية لبرشلونة وعليها رسمت حلمي المتمثل بمراوغة 10 لاعبين ثم التسجيل!
من هم اللاعبون الذين تأثرت بهم؟
مثلي الأعلى هو دائماً رونالدو “إل فينومينو” لأنه كان يقوم بأشياء لا تصدق عندما تكون الكرة في حوزته. كان هناك أيضاً روماريو وريفالدو وقد جعلاني أحلم وقد صنعا السعادة في برشلونة. هؤلاء كانوا مختلفين عن اللاعبين الآخرين وكانوا ساحرين. عندما تكون طفلاً، يعتبر هؤلاء من طينة اللاعبين الذين يجعلونك تحلم، يجعلون رؤية كرة القدم متعة ويعززون من شغف الجمهور تجاه هذه اللعبة.
في ما يتعلق بك شخصياً، لدينا فكرة بأنك لاعب كافح كثيراً أكثر من غيره للوصول إلى ما أنت عليه اليوم. لماذا؟
لم تكن الأمور سلسة بالنسبة لي، خصوصاً بسبب قصر قامتي التي جعلت كثيرين يشكّكون بقدراتي. نشأت في نادي بوردو حيث وصلت إليه وأنا في الثامنة من عمري. حصلت على تكويني بالكامل هناك وعندما بلغت الثامنة عشرة وفي الوقت الذي كان يتعين علي الإنتقال من الفريق الرديف إلى الأول، أوقفوا كل شيء. كان الأمر يتعلق بقامتي أو ربما لأنني لم أكن جاهزاً في تلك الفترة لمواجهة التحدي البدني. رحلت وتابعت تكويني في مكان آخر في أندية أقل شهرة وأقرب إلى الهواية منها إلى الإحتراف. كان الأمر صعباً للغاية لأنك عندما تنتقل من تدريبات يومية إلى حصص تدريبية مرتين في الأسبوع، يتعين عليك أن تتدرب بمفردك لكي تواصل الإيمان بالحلم. عندما تُطرد وأنت في الثامنة عشرة من عمرك، فإنك تصاب بصدمة من الناحية الذهنية، لكني بذلت جهوداً مضاعفة ولم أستسلم. هذه الأمور جعلتني أقوى.
ما كانت ردة فعلك في تلك اللحظة؟
لقد بكيت. شعرت بحزن كبير لأنني شعرت أن جميع الأمور تنهار في لحظة واحدة. لكن عائلتي وخصوصاً والدي كانوا الوقود التي جعلتني أستمر وأثق بقدراتي. قالوا لي إنني لا زلت شاباً وبأنه يتعين علي بذل المزيد من الجهود وأن أمُرّ بمراحل جديدة لإكمال عملية تكويني. ذهبت الى لانجون ثم ليبورن حيث وجدت صعوبة في فرض نفسي هناك، لكنني كنت أصل دائماً إلى النهايات التي أريدها. تكمن قوتي في قدرتي على التمسك بالأمل على الرغم أنني لم أصل إلى أي شيء بالسهولة أكان الأمر يتعلق بأول عقد احترافي لي، أو في فرض نفسي أساسياً في صفوف فريقي أو منتخب بلادي. بقدر ما عملت وبذلت الجهود وهما نقطتا القوة لدي، نجحت في قلب الأمور في مصلحتي في النهاية.
كيف عزّزت هذه الأوقات الصعبة من قوتك الذهنية؟
لعبت الأمور الصعبة في مصلحتي. لم أحصل على أي شيء بسهولة. واليوم نجد العديد من اللاعبين الذين يوقعّون على عقود احترافية وهم في سن صغيرة ويدخلون بسرعة فترة الراحة من الناحية المادية. ربما، لو وقَعت عقداً مع بوردو في وقتها، لم أكن لأعيش هذه المسيرة التي أعيشها الآن وربما لم أكن قد أصبحت لاعباً دولياً. حادثة الإبعاد جعلتني أعي ما أحتاج إليه.
ما هي النقطة الأساس في شخصيتك التي جعلتك تجتاز هذه التجارب؟
أعتقد بأني أرى الأمور بإيجابية دائماً.. كنت أملك ميزة العمل التي تعلمتها من والدي لكني تعلمت أيضاً شغف كرة القدم. كرة القدم هي حياتي وأنا أستمتع بشكل كبير عندما أخوض المباريات مع فريقي أو مع بعض الأصدقاء. اليوم لا نجد الكثيرين من الشغوفين بكرة القدم. أنا بكل بساطة سعيد للغاية عندما أتدرب وعندما ألمس الكرة وعندما ألعب، لا أفكر بأي شيء آخر. هذه هي نقطة القوة لدي.
هل هذه هي الميزة التي تجعلك تقدم أفضل العروض في المباريات الكبيرة؟
بالنسبة إلي، خوض المباريات الكبيرة هو قبل كل شيء الشعور بالفرح. يجب أن تخوض هذا النوع من المباريات بإيجابية وأنت تستمتع. عندما تعمل فإنك لا بد وأن تكافأ. صحيح بأني نجحت في التسجيل في أوقات هامة جداً في صفوف مارسيليا. كما أن مبارياتي الأولى الكبيرة كانت ناجحة أيضاً. مباراتي الأولى في دوري أبطال أوروبا كانت ضد ليفربول ونجحت في التهديف فيها، والأمر ينطبق على أول مباراة دولية لي. بالنسبة لي، فإنها ضغوطات إيجابية وأحاول استغلالها إلى أقصى الحدود لكي لا أشعر بأي ندم عندما أقرر إيقاف مسيرتي.
هل يمكن أن تحدّثنا عن أول مباراة دولية لك؟
كانت مباراة ودية ضد كوستاريكا نهاية مايو/أيار 2010 قبيل انطلاق نهائيات كأس العالم في جنوب أفريقيا. قبل المباراة، قال لي باتريس إيفرا “أشعر بأنك ستسجل.” وفي اللمسات الأولى لي للكرة، قام أبو ديابي بعمل رائع ومرر لي الكرة فأطلقتها وسجلت. تسجيل الهدف الدولي الأول يجعلك تشعر بأحاسيس لا تصدق. البداية بهذه الطريقة خصوصاً بأنني لم أحصل سوى على 20 دقيقة لعب، جعلتني أشعر بثقة عالية بعد ذلك. بالطبع، المغامرة في جنوب أفريقيا لم تكن عظيمة، لكنني أحتفظ بحصيلة إيجابية منها لأن مستواي تطور بعد ذلك. ليس بديهياً ان تفرض نفسك على صعيد المنتخب الوطني.
كيف كانت مغامرة كأس العالم البرازيل 2014 FIFA نقطة تحول بالنسبة اليك؟
على الصعيد الشخصي، كانت مغامرة إنسانية لم أعشها من قبل. إلى جانب أننا جميعاً قدمنا عروضاً رائعة، والإنسجام داخل المجموعة كان رائعاً، والأجواء أيضاً، والملاعب، وكون البطولة تقام في البرازيل أضاف رونقاً خاصاً بها. كانت اللحظة كبيرة وتسجيل الهدف في مرمى سويسرا هو أحلى ذكرى في مسيرتي.
أنت الذي تعشق القميص الأزرق، ندرك تماماً مدى تأثير تجربة كأس العالم 2010 FIFA عليك. هل نجحت مباراة الدور ربع النهائي في البرازيل في محو آثار هذه الذكرى الأليمة؟
نوعاً ما، نعم. صحيح بأننا كنا خضنا بطولة سيئة للغاية بكأس العالم مع ما رافق ذلك في حادثة الحافلة. وعلى الرغم من بقاء 3 أو 4 لاعبين في البرازيل ممن تواجدوا عام 2010، فإننا كنا عشنا أمرا كارثياً سيبقى وعلى الرغم من كل شيء محفوراً في ذاكرتنا. لا يمكن أن نغسل نهائيا هذه الأمر، لكننا نحاول أن نخفف من وطأة ما حدث عن الناس من خلال ما نجحنا في تحقيقه من تلميع صورة المنتخب على الصعيد الرياضي لكن أيضاً خارج الملعب.
استمر استدعاؤك لصفوف المنتخب الوطني رغم رحيلك عن مارسيليا والإنتقال إلى دينامو موسكو في أغسطس/آب عام 2014، في الوقت الذي ينضم جميع لاعبي منتخب فرنسا إلى البطولات الخمس الكبرى في أوروبا؟ هل تأثرت باستمرار منح ديدييه ديشامب الثقة لك في تلك الفترة؟
في الواقع، كانت لفتة جميلة من الثقة. فرغم أن الدوري الروسي أقل متابعة من غيره، فإن المستوى يبقى تنافسياً جداً. كان قراري رياضياً ومادياً في الوقت ذاته لأنه كان يتعين علي أن أفكر بذلك خصوصاً بعمري. لكني كنت واثقاً أنه إذا حافظت على تقديم عروضي القوية، فإن المدرب سيستمر في استدعائي إلى صفوف المنتخب. لم يمنعني هذا الأمر من المحافظة على مركزي واللعب أساسياً. في كرة القدم لا يمكن أن تحصل على أي شيء بسهولة. أواصل مسيرتي بتصميم وبتواضع لكي أستمر في اللعب لأطول فترة ممكنة. التجربة الروسية كانت مغامرة إنسانية. من الصعب دائماً الإنتقال إلى بلد جديد وقد ترددت بعض الشيء في البداية. لكني عندما رأيت المشروع وشعرت برغبة المسؤولين في التعاقد معي ومنحوني الثقة، اتخذت قراري. كنت في نهاية حقبة مع مارسيليا، دافعت عن ألوان الفريق على مدى 8 سنوات وكنت في حاجة إلى شيء آخر. كنت قد أحرزت الألقاب، وقمنا بأشياء رائعة في دوري أبطال أوروبا وكنت في حاجة إلى اكتشاف أشياء جديدة.
انتقلت إلى ليون خلال الصيف الحالي، ما الذي جعلك تعود إلى فرنسا؟
مشروع ليون مثير. بعد الموسم الفائت الرائع الذي خاضه الفريق سيشارك في دوري أبطال أوروبا. هناك الملعب الجديد الذي تنتهي الأعمال فيه قريباً، وهناك عملية تطوير جميلة، وهناك لاعبون موهوبون أعرفهم جيداً، لكن أيضا هناك توازن عائلي ليس بعيداً عني في إيكس أون بروفانس. كما رحل العديد من اللاعبين من دينامو موسكو، وبالتالي فإن المشروع الرياضي لم يعد مطابقاً لما عرض علي سابقاً.
بما أنك خضت موسماً في روسيا، كيف ترى كأس العالم FIFA هناك عام 2018؟
أستطيع القول لكم بأنهم يفكرون بهذا الأمر كثيراً هناك! نحن أيضاً نفكر بها، لكنها لا تزال بعيدة خصوصاً بأن هناك كأس أوروبا 2016 في فرنسا على الأبواب. لكني بعد أن رأيت الملاعب وما يتم تشييده من منشآت، أستطيع القول بأنهم يملكون بنى تحتية وسينظمون بطولة كأس عالم كبيرة جداً.
ما هو رأيك بمجموعة فرنسا التي تضم هولندا والسويد وبلغاريا وبيلاروسيا ولوكسمبورج في التصفيات المؤهلة لروسيا 2018؟
لا وجود لمجموعة سهلة، على أي حال. فقد خسرنا أمام ألبانيا في نهاية الموسم الماضي. لم يعد هناك منتخبات صغيرة، ولّت الأيام التي كنا نهزم فيها أذربيجان بنتيجة 10-0. يجب القتال في كل تصفيات. اضطررنا لخوض الملحق في التصفيات الأخيرة، لكني آمل باحتلال المركز الأول هذه المرة.